ليست كل المجلات العلمية الدولية تكون صالحة للنشر عليها. وحتى تلك المجلات التي تصلح للنشر فإنها تتفاوت من ناحية الجودة. وتأتي عملية الحكم على المجلات العلمية الدولية من خلال التقييم لها. وهنا يأتي التساؤل عن الكيفية التي يتم فيها تقييم هذه المجلات. وهذه الكيفية تأتي بناءاً على عدة محددات ومعايير لكل محدد منها خواصه في التقييم. وفي الفقرات التالية سنفرد كل حدد من هذه المحددات في فقرة كاملة لنحيط به من البداية للنهاية… .
من المعايير الأساسية في تقييم المجلات العلمية الدولية هو معامل التأثير، حيث تعتمد المراكز البحثية بشكل أساسي على هذا المعامل لتقييم المجلات، ومعامل تأثير المجلات هو عبارة عن النسبة التي تظهر فيها الاقتباسات مقارنة بكمية المحتوى التي تنشره المجلة في فترة زمنية محددة، فمعامل التأثير هذا عبارة عن معادلة حسابية يتم فيها استخلاص نسبة الاقتباسات التي أخذها الباحثون من مجموع المحتوى التي تنشره المجلة، على سبيل المثال قامت المجلة بنشر ما يقارب ال100 بحث بواقع 4000 صفحة فهنا تتم عملية حساب معامل التأثير بالنظر في نسبة الاقتباسات التي تم أخذها إلى نسبة ال4000 صفحة التي فيها النشر، وفيما يلي نقاط هامة موضحة أكثر لمعامل التأثير:
- معامل التأثير يختلف من فترة لفترة أخرى، على سبيل المثال يمكن أن نرى معامل تأثير متقدم لإحدى المجلات في سنة معينة وبعد ثلاث سنوات ينخفض هذا المعامل… والعكس صحيح.
- يمكن القول بأن معامل التأثير من أساسيات حدوث التنافس بين المجلات العلمية الدولية، وذلك لأن كل مجلة تسعى للحصول على معامل تأثير متقدم وتسبق غيرها من المجلات.
- المحدد الأساسي لمعرفة معامل التأثير هي قاعدة بيانات سكوبس، إذ أن سكوبس تقوم ببيان معامل التأثير مع التعريف بالمجلة.
- الاستشهاد بالمحتوى الذي تنشره المجلة هو المحدد الأساسي لمعامل التأثير، وقد يسأل هنا سائل لماذا معامل التأثير يعتبر من معايير الجودة؟، وهنا نجيب عليه بتساؤل آخر وهو هل يمكن لمجلة ذات محتوى ليس له قيمة أن يعتمد عليها الباحثون في أخذ المعلومات؟.
إذا أراد أحد الأشخاص الذهاب إلى أي مكان سواء كان هذا المكان عام أو خاص، فإنه أول ما يبدأ يقرأ قواعد دخول المكان فإذا أعجبته القوانين دخل، وإذا لم تعجبه القوانين لم يدخل، وهذا هو المفهوم العام الخاص بالسياسات التحريرية في المجلات العلمية الدولية، والسياسات التحريرية هي عبارة عن القواعد التي تضعها المجلات لطبيعة كتابة المحتوى وتنسيقه، ومن أبرز ما تشمله طريقة الصياغة وترتيب العناصر ووجود الفهارس والجداول والملحقات وأحجام الخطوط والترويسات وغير ذلك، ونضع النقاط التالية كشرح مفصل حول السياسة التحريري في المجلات العلمية الدولية:
أولاً: السياسة التحريرية خاصة بكل مجلة على حدة، بمعنى أن السياسة التحريرية تختلف من مجلة إلى مجلة أخرى، وهذا الاختلاف مثبت حتى مع وجود حقيقة أن كثير من المجلات تتفق في كثير من البنود الخاصة بسياسة التحرير.
ثانياً: أي مادة لا تلتزم بالسياسة التحريرية للمجلة المراد النشر عليها فإن هذه المادة ستواجه برفض نشرها عبر المجلة، وذلك لأن السياسة التحريرية تعتبر أيضاً شروط النشر على المجلات العلمية المحكمة.
ثالثاً: السياسة التحريرية تعتبر من محددات تقييم المجلات العلمية الدولية، وذلك لأن السياسة التحريرية الأقرب للباحثين والتي تتوافق مع المنطق ومع ما متعارف عليه لدى الباحثين تعتبر من المجلات ذات الجودة التي تُسهل عملية النشر أمام الباحثين، و كذلك الأمر بالنسبة للمجلات التي لها سياسة تحرير تركز على اخراج المحتوى بشكل وأسلوب يجذب القارئ.
رابعاً: قد تغير المجلات السياسات التحريرية الخاصة بها بين الفينة والأخرى، وذلك نراه كثيراً في حالة تم تغير مدير أو رئيس تحرير المجلة، فالسياسة التحريرية متغيرة وليست ثابتة.
دورية صدور المجلات العلمية الدولية هي التي تعبر عن انتظام موعد صدور المجلة، فنجد هنا أن ثمة مجلات أسبوعية وأخرى شهرية وأخرى ربع حولية وأخرى نصف حولية و كذلك هناك مجلات حولية، ولكل نوع من هذه الأنواع خصوصيته في الصدور، حيث أن الأسبوع تصدر مرة في الأسبوع، والشهرية مرة في الشهر، والربع حولية كل ثلاث شهور، والنصف حولية كل ستة شهور، والحولية تصدر مرة واحدة في العام فقط، وتأتي عملية تقييم المجلات وفقاً لدورية الصدور من المحددات والمعايير التالية:
- المجلة يصبح بينها وبين القارئ و كذلك الباحث ترابط وجداني وفكري. فكثير من المجلات استطاعت بجودتها أن تجعل الباحث أو القارئ في انتظار صدور العدد الجديد منها. وهنا نقول ماذا لو لم يكن للمجلة موعد صدور محدد؟، هل سيكون الباحث أو القارئ بانتظارها في موعد ما؟، بل سيتكون لديهم صورة سيئة عن المجلة تؤدي إلى عدم قراءة المجلة وعدم إرسال المضامين للنشر عليها.
- يُثار الجدل بمن أفضل من بين دوريات الصدور الأسبوعية أم الشهرية أو الربع والنصف حولية والحولية؟، كلما كانت المجلة تصدر في فترة زمنية قريبة كلما كانت ذات جودة أفضل من ناحية الدورية، على سبيل المثال المجلات الأسبوعية تعتبر أفضل من الشهرية والشهرية تعتبر أفضل من الربع حولية… وهكذا، وذلك لأن المجلة التي تصدر بشكل متقارب تكون ذات نشر أكبر، و كذلك تعطي قبولات أكثر للمضامين المرسلة للنشر، مما يجعلها محط اهتمام للباحثين والقراء.
- من أسوء التصنيفات للمجلات هي المجلات التي تخل بدورية الصدور الخاصة بها. على سبيل المثال كانت مجلة تصدر كل أسبوع وفجأة توقفت لمدة شهرين متواصلين ثم عادت للصدور ثانية…، فهذا يؤثر على جودة المجلة ويجعلها تفقد متابعيها ويتراجع معامل التأثير الخاص بها.
- صحيح أننا قلنا أن دورية الصدور المتقاربة أفضل المتباعدة. ولكن هنا لابد أن نضع شرطاً أساسياً وهو أن يتم التحكيم بشكل دقيق ومتكامل، ولا يكون الهدف فقط هو النشر.
لا يمكن إغفال شروط النشر في عملية تقييم المجلات العلمية الدولية، حيث أن هذه الشروط تعتبر من معايير الجودة للمجلة، وقبل الدخول في تفصيلات التقييم وفقاً لشروط النشر نأتي لتعريف شروط النشر على المجلات، حيث أنها عبارة عن المعايير والمحددات التي تضعها المجلة لقبول نشر المضامين عليها، وبهذا يكون لزاماً على المادة المرسلة للنشر على إحدى المجلات أن تكون متوافقة مع شروط النشر لهذه المجلة، وفيما يلي من نقاط نوضح الترابط بين شروط النشر وعملية التقييم للمجلة:
أولاً: يهم جمهور الباحثين شروط النشر لأنها من أهم ما يحدد ما إذا كانت المجلة ستقبل نشر المادة من عدمها. و كذلك فإن هذه الشروط إذا كانت متعارف عليها وغير غريبة فإن ذلك يعني كثرة استقطابها للباحثين مما يعني كثرة النشر عليها وتدعيم محتواها.
ثانياً: شروط النشر المعقدة التي لا يستسيغها كثير من الباحثين تؤدي لعدم التعامل مع المجلة وعدم ارسال المضامين لنشرها. مما يجعل المجلة تفقد دراسات قد تكون هامة وذات سبق معلوماتي مميز.
ثالثاً: تأتي شروط مؤثرة على معامل التأثير حيث أن سهولة شروط النشر كما أسلفنا سابقاً يؤدي لزيادة النشر. وبالتالي زيادة النشر تعني وجود معلومات أكثر يمكن الاقتباس منها وبالتالي كلما زاد الاقتباس زاد معامل التأثير.
رابعاً: تتنافس المجلات فيما بينها لتسهيل شروط النشر. بل إن الإعلانات للمجلات أصبحت تركز بشكل كبير على أن المجلة تقبل النشر بشروط سهلة.
هذه مجلة متخصصة في الطب وتلك متخصصة في القانون والثالثة متخصصة في التربية… وهكذا. كثيراً ما نسمع مثل هذه المصطلحات وهذا يأتي كصورة شاملة للمجلات العلمية العالمية المتخصصة. حيث أنها مجلات تختص بالنشر في مجال واحد معين فقط. والغير متخصصة تنشر في مجالات عديدة ولربما شملت كافة المجالات. وهنا نقول أن المجلة المتخصصة يحكم عليها قطعاً بأنها ذات جودة أعلى من المجلة الغير متخصصة. وذلك لعدة أسباب من أهمها:
- المجلة المتخصصة يكون لها جمهورها الخاص من الباحثين والقراء. وهذا يعني أن استهدافها للجماهير يكون دقيقاً وبشكل سهل يساعد أكثر في تحقيق أهداف الأبحاث التي تنشرها.
- يكون للمجلة المتخصصة ميزة التركيز وتناول المجال من أكثر من زاوية. وهذا يعني وجود كم كبير من المعلومات التي يمكن الاعتماد بشكل أساسي.
- من خلال المجلة المتخصصة يلتقي المفكرون وأصحاب الخبرات في مجال معين ويساهموا في تطويره، على سبيل المثال المجلات المتخصصة في مجال الطب تكون محط اهتمام الأطباء والتقاءهم مما ينتج على ذلك تلاقي الخبرات وتطوير مجال الطب.
- المجلة المتخصصة تتناول المواضيع عن قرب وبشكل مفصل، وبالتالي توفر أرشيف كامل للمجال الذي تتناوله.
- لجنة التحكيم في المجلات المتخصصة تكون ذات كفاءة أكبر من لجان التحكيم في المجلات العامة.
- الجمهور اليوم يريد الحصول على ما يريده بشكل سريع. وبالتالي المجلات الغير متخصصة بنشرها لمواضيع متفرقة تجعل لدى بعض القراء عزوف عنها. لأنهم يشعرون أن كثيراً من هذا المحتوى لا يخصهم.
- الاقتباسات من المجلات المتخصصة يكون أكثر من الغير متخصصة، وذلك لأن الباحث عندما يريد اعداد دراسة يبحث مباشرة في المضامين المتخصصة قبل غيرها من المضامين.
- صحيح أن المجلات المتخصصة هي أفضل في التقييم من الغير متخصصة، ولكن هذا لا يعني أن المجلات الغير متخصصة ينقصها الجودة، بل بالعكس فإن المجلات الغير متخصصة تتميز بالتنويع وكثرة محتواها.
عندما نقول المجلات علمية دولية فإننا بهذا نقصد المجلات التي توزع عالمياً، وعالمياً هنا ليس شرطاً أن تكون على كافة دول العالم بل تسمى المجلة عالمية إذا خرجت من نطاق الجغرافية الإقليمية للدولة التي تصدر منها، وبالحديث عن العالمية فلابد من الحديث ع الترجمة، ويتضح هذا المقصد فيما يلي:
أولاً: كلما زادت عدد اللغات التي تترجم إليها المجلة كلما كان تقييم المجلة أعلى. لأن الترجمة بحد ذاتها تعتبر آلية جودة تزيد من الجمهور وتقوي المضمون وتزيد تحقيق الأهداف.
ثانياً: المجلات العلمية العالمية كلما زاد عدد الدول التي توزع فيها كلما زاد التفاعل المعرفي والحضاري. وبالتالي زادت القيمة المعرفية لها.
ثالثاً: المجلات المتميزة لا تركز فقط على كبر حجم الجمهور بل تهتم بالتنويع في الجمهور الخاص بها. وعندما يتم توزيع المجلة على أكثر من دولة فهنا يكون للمجلة جمهور متنوع من جنسيات وقوميات مختلفة.
رابعاً: كثير من المواد المعرفية تكون بحاجة للنشر الدولي لتحقق أهدافها. على سبيل المثال الدراسات الخاصة بالتاريخ الانساني أو بالأوبئة والأمراض.